مقالات


الأربعاء - 18 سبتمبر 2024 - الساعة 10:39 م

الكاتب: محمد مرشد عقابي - ارشيف الكاتب



عام مضى، يا أمي العزيزة والغالية، وما زلت ابحث عن إجابة لأسئلتي: لماذا لم ترحلي بصمت كغيرك؟ لماذا ترك رحيلك كل هذا الألم والوجع الذي يشق قلبي كل يوم؟ لماذا تتجدد ذكرى رحيلك كل لحظة وكل حين ولا اجد السلوان؟

عام مضى يا أمي، وما زلت غير قادر على تصديق رحيلك من هول الصدمة، رغم أنها الحقيقة الموجعة، فانا ما زلت اتذكر تلك الرجفة التي هزت كيان قلبي حين وصلني الخبر المفزع، فلا ألم يضاهي ألم غياب الأحبة، ولا ذكرى ابشع من ذكرى رحيل الأعزاء، ولا حزن يفوق حزن فراق الأم.

عام كامل، ولا يزال نبأ رحيلك يهز مشاعري كالصاعقة، ويوقظ في قلبي أحزاناً عميقة، ويهيج لوعة الأشواق واشجاناً حبيسه في الوجدان، وأوجاعاً دفينة وحنين إلى الماضي الجميل، كأنها طعنة متجددة لا استطيع نسيانها، مر عام كامل، وما زالت عيني تذرف الدموع على فقدانك يا أعز ما في هذا الوجود، ولم يستطع الوقت أن يخفف وطأة الحزن ووقع الذكريات.

عام مضى، وحزنك ما زال يثقل كاهلي، يرافقني كظلي حيثما ارتحلت، يا من كنتي قلباً ينبض في صدري، وسنداً وعوناً لي في كل دروب الحياة، فكان وجودك، يضيء لي ظلام الدنيا، لقد فقدت برحيلك المؤلم، قلباً رحيماً لن ينتسي بل من المستحيل ان اجد له مثيل، وبفراقك انكسر وتحطم قلبي ولم يجبر وفقدت طعم السعادة.

غبتي عنا يا أمي، وغابت معك اشراقة ذلك الزمن الجميل الذي لن يعود، وبعد مرور عام على وفاتك أيقنت ان الفواجع جراح غائرة لاتندمل وتبقى كما هي ولو تعاقبت عليها الدهور والأزمان، وان الحزن على الراحلين لاينتهي، فذكرى الرحيل تتجدد مع تاريخ الوفاة، اللهم إني لا اعترض على حكمك وقضائك وقدرك في خلقك ولكن لهفة الشوق ولوعة الاشتياق تحرق دواخلي وتهيج نيران أحشائي بالحزن، فاللهم ارحم أمي الحبيية بقدر حبي وشوقي وحنيني إليها يارب العالمين.

فقد كان رحيلك يا أماه، أشبه بلصٍ متربص، جاء ليسلبك منا ونحن في امس الحاجة إليك، أخذك وتركنا في مواجهة شتات الروح، وفقدان الأمل، فحين اتكلم عنك، فانا اتكلم عن عالم وعن حياة وعن جنة وعن وطن كبير احتوانا وعن حب لا يبلى ولايموت أبداً، غادرتي دنيانا الفانية، لكن روحك ما زالت باقية تحلق فوقنا كالحمام، تذكرنا بمكانتك العالية وعظيم صنائعك، ففي يوم 6 يوليو 2023 البائس، انتزعت قطعة من قلبي، مضت سنة على وفاة ست الحبايب التي كان وجودها ينير لي ظلام الحياة وكأنني افتقدتها بالأمس، سيظل عزائي فيها عمراً حتى التقيها يوم الدين في جنات الفردوس بإذن الله الواحد الأحد.

لقد رحل جسدك الطاهر، وبقيت روحك حيةً معنا، كلماتك ونصائحك وتوجيهاتك ودعواتك لاتزال عالقة في الأذهان ولن يمحيها الزمن، وكأنك جئت إلى هذه الحياة لتخبرينا بأن الموت يسرق كل شيء، فلا تتيهوا في غفلة الزمن أو تغركم بهارج الدنيا وتهيأوا لحياة الآخرة الأبدية، لقد كنتي دائماً مبتسمه، ضحوكة، تنشرين السعادة أينما ذهبتي وتحبين الخير للجميع.

وداعاً يا أمي ونامي قريرة العين، فنحن سنعيش ما بقي لنا من عمر على ذكراك، فقد تركتي فينا همة باقية وعملاً في سبيل الخير وسلوكاً في طريق الفضيلة والهدى بعون الله وتوفيقه، نامي يا أعز وأغلى أم فربما تجدي الراحة التي لطالما حُرمتي منها في دنياك، فالله يختار الطيبين أمثالك بعناية، ليخبرنا أن مكانك ليس هنا في هذا البؤس والشقاء.

نامي يا أماه، فسنظل نحتفظ بك في قلوبنا للأبد، وستظل ذكراك خالدة ما بقينا، وفي ذكرى رحيلك عن دنيانا الفانية لا يسعني إلا ان اتضرع إلى المولى العلي القدير وأسأله بمنه وكرمه أن يتغمدك بواسع رحمته وغفرانه، وأن يجعل قبرك روضة من رياض جناته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.